ORIENTATION PEDAGOGIQUE / CULTURE DE PAIX / MEDIATION
Vous souhaitez réagir à ce message ? Créez un compte en quelques clics ou connectez-vous pour continuer.
ORIENTATION PEDAGOGIQUE / CULTURE DE PAIX / MEDIATION

LA CULTURE DE PAIX C'EST LA PAIX EN ACTION . LA MEDIATION EST UNE ACTION.
 
AccueilAccueil  GalerieGalerie  Dernières imagesDernières images  RechercherRechercher  S'enregistrerS'enregistrer  ConnexionConnexion  
Le Deal du moment : -28%
Précommande : Smartphone Google Pixel 8a 5G ...
Voir le deal
389 €

Poster un nouveau sujet   Répondre au sujet
 

 التحديات المعاصرة للتوجيه المهني و المدرسي و رهاناته الاجتماعية

Aller en bas 
AuteurMessage
Mr ABED
Admin
Mr ABED


Messages : 262
Date d'inscription : 09/08/2008
Age : 50
Localisation : maroc

التحديات المعاصرة للتوجيه المهني و المدرسي و رهاناته الاجتماعية Empty
MessageSujet: التحديات المعاصرة للتوجيه المهني و المدرسي و رهاناته الاجتماعية   التحديات المعاصرة للتوجيه المهني و المدرسي و رهاناته الاجتماعية Icon_minitime21/3/2024, 12:03

إن القيم التي توجه ممارسة المستشار في التوجيه باستحضار الأبعاد السوسيولوجية للتربية تقتضي منه العمل من أجل تقليص الفوارق الاجتماعية، مواجهة الحتمية الاجتماعية من أجل مجتمع أكثر عدلا، تربية المواطن (تثمين التلاحم الاجتماعي)، تعزيز إدماج اجتماعي ومهني ناجح عبر تنمية فعالية (الاختيار و التوجيه الذاتي) القدرات الفردية. بناءا على نظرة "واقعية" للعمل ولسوق الشغل.
يهتم البحث السوسيولوجي حول التوجيه المدرسي بالطريقة التي يعتمدها أفراد المجتمع لتحديد مسار تكوينهم في إطار نظام تعليمي يفرز تراتبية سوسيو- مدرسية. و هو ما جعل التوجيه المدرسي و المهني منذ عقد التسعينيات من القرن 20 يراهن في إطار المنهاج الدراسي على تمكين كل فرد من توجيه مسار حياته المهنية والشخصية بفعالية بعد مرحلة التمدرس الإجباري. خلال هذه المرحلة الدراسية يفترض من التلميذ أن يكون قد اكتسب وضبط الكفاية التي تمكنه لاحقا من الاختيار والتوجيه الذاتي مدى الحياة. بالرغم من استقلالية عملية الاندماج المهني في سوق الشغل عن التنشئة المدرسية، فإن الخيط الرابط بالتوجيه المدرسي. وهو ما يجعل المستشار في التوجيه المدرسي مطالبا بالانفتاح على مشكلة العلاقة بين المسار الدراسي و الاندماج المهني بقصد إدراك من جهة رهانات التوجيه على المسار الدراسي والكشف عن المسافة بين مسار وطبيعة التكوين وفرص الإدماج في سوق التشغيل من جهة أخرى.
يعتبر التوجيه المدرسي والمهني آلية مؤسساتية مشروعة تقترحها المدرسة على الأسر و أبنائهم للقيام باختيارات دراسية و مهنية ناجحة وتمكينهم من الاندماج في سوق الشغل و بالتالي الاندماج الاجتماعي، واعتمدتها الدول الحديثة (الديموقراطية في إطار إرساء العدالة الاجتماعية المبنية على مبدأ الانصاف) من أجل بناء تراتبية اجتماعية على أساس الاستحقاق كآلية عقلانية ومشروعة للتمييز وتدبير الفروق الاجتماعية بين أعضاءه. و لكن الدراسات السوسيولوجية كشفت أن المدرسة تقوم في الواقع بإعادة إنتاج الفوارق عبر ألية الوراثة الاجتماعية، وعن محدودية دينامية الحركية و الترقي الاجتماعي، كما أن الصعوبات المتزايدة التي تواجهها الأسر و الشباب في الولوج إلى سوق الشغل والقلق المرتبط بها يدفع الباحثين في علم اجتماع التربية إلى مساءلة منظومة التوجيه ما إن كانت مجرد آلية لإضفاء المشروعية وتكريس الفوارق الاجتماعية بين التلاميذ.
تكشف المعطيات الإحصائية عن خروج العديد من الشباب (المتعثر دراسيا) من المنظومة التعليمية بدون أن تمنحهم فرص ثانية للالتحاق بمؤسسات التكوين المهني، شباب من دون تأهيل أو شهادة تؤهلهم لولوج سوق الشغل الذي يعرف تنافسية كبيرة و نذرة فرص التشغيل. تضاف إلى الصعوبات التي يواجهها العديد من حاملي الشواهد العليا في الحصول على فرص الشغل. خصوصا وأن منظومة التوجيه بالمغرب يحكمها منطق التحكم والتخطيط لتدفق التلاميذ في المنظومة التربوية وفقا لإمكانيات العرض التربوي الذي تضعها الدولة (نسبة الاستجابة لطلبات التوجيه نحو الثانويات التقنية (المسالك الصناعية و التجارية و الزراعية)، كما أن خدمات التوجيه و الاعلام تستهدف على الخصوص التلاميذ المتميزين الذين يتنافسون حول عروض دراسية الواعدة بأفاق مهنية متميزة. ويتم إهمال و نسيان التلاميذ المتعثرين و المهددين بالفصل (نموذج العروض التي تقدم للتلاميذ في بطاقات الرغبات المعتمدة التي تستهدف فقط الافاق الدراسية لمابعد النجاح و تتجاهل المتوقع رسوبهم أو توقف مسارهم الدراسي).
في هذا السياق المعتم يساءل البحث السوسيولوجي المنظومة التعليمية و بالأحرى دور التوجيه المدرسي داخل المنظومة التعليمية و بالعلاقة بالتوجيهات و الاختيارات السياسية و الاقتصادية الكبرى. و هو ما يقتضي من البحث السوسيولوجي الاهتمام و الاشتغال على الإشكاليات الأساسية التالية:
1. تأثير الأصول الاجتماعية و الثقافية و المجالية على المسار الدراسي للتلاميذ و طموحاتهم .
2. " أثار السياق المدرسي في إنتاج الفروق بين التلاميذ و تأثيره على التوجيه"،
3. تأثير التصورات والتمثلات الاجتماعية لمختلف الفاعلين (أساتذة، أباء، تلاميذ، مستشارون في التوجيه) على عملية التوجيه.
4. استراتيجيات الآسر في اختيارات تعليم و توجيه أبنائهم.
I. التوجيه المهني و المدرسي في سياق التحولات المجتمعية
قبل تناول الإشكاليات التي طرحها التوجيه المدرسي على المنظومة التعليمية من منظور سوسيولوجي سوف نخصص المحاضرات الافتتاحية للاشتغال على تطور الرهانات الاجتماعية و الاقتصادية على التوجيه داخل المنظومة التعليمية،و تتبع مساره في التاريخ المعاصر، و رصد تطور الممارسات التي حكمت أنشطة التوجيه المهني و المدرسي بالعلاقة بالتحولات التي عرفها نظام الشغل و التنظيمات الاقتصادية، والمبادئ التي توجه الاختيارات السياسية و تأثيرها على تدبير المؤسسات ذات العلاقة بتقديم الخدمة الاجتماعية. وعلى الخصوص استحضار الإصلاحات الكبرى التي عرفتها المنظومة التعليمية، لتحقيق العدالة و المساواة الاجتماعية.
إن المبدأ المحدد لمهنة التوجيه كنشاط اجتماعي هو مبدأ ملائمة المؤهلات الأفراد مع الحاجيات الاقتصادية والاجتماعية لتحقيق المجتمع العادل، و هي نظرية تجد جذورها في التصور الأفلاطوني في كتابه الجمهورية، حيث يؤكد على أن سعادة الفرد و سعادة المجتمع في المجتمع تتحقق حين يكون «الرجل المناسب في المكان المناسب»، حيث يقبل كل فرد من أفراد المجتمع بأن يقوم بالدور الذي يتناسب مع استعداداته، ويكون راضيا عن المكانة التي يحتلها داخل المجتمع بما يتوافق مع المواهب التي منحته إياه الطبيعة"
إن الرهان المجتمعي على التوجيه المهني و المدرسي جعل منه حقلا لتطوير البحث مختلف العلوم الاجتماعية ذات العلاقة بالتربية (السوسيولوجيا، علم النفس على الخصوص،و علم الاقتصاد، والبيداغوجيا...إلخ) بالرغم من أن التأريخ المؤسساتي للتوجيه المهني و الرهانات الاجتماعية و الاقتصادية على التوجيه تعود إلى بداية القرن 20، فإن استدعاء السياق الاجتماعي و الاقتصادي للتوجيه المهني و المدرسي تكشف أن مأسسة التوجيه ارتبط واقعيا بالحاجيات التي أفرزتها الثورة الصناعية، و تسارع التحولات المجتمعية في الدول المصنعة ، و التزايد الملحوظ لتقسيم الاجتماعي العمل، تمدن المجتمع، وكذلك انحسار الأشكال التقليدية لتوجيه المجتمع (Guichard et Huteau, 2005). .
خلال مطلع القرن العشرين عرفت -حاجيات و انتظارات المجتمع و الأفراد تحولا بالعلاقة بالتطورات التي عرفتها الأنشطة الاقتصادية سواء من حيث توسيع الأنشطة الصناعية و تنظيماتها الكبرى و ومتطلباتها، حاجتها المتزايدة لليد العاملة المؤهلة. و كذلك تطور القيم الاجتماعية و السياسية التي تؤكد على الفرد والاعتراف بحاجياته، و تزايد الوعي بدور الطبقة العاملة في النمو الاقتصادي و الرفاه الاجتماعي. و كذا الرهان على المدرسة كمؤسسة للتنشئة و الإدماج الاجتماعي في ظل الدولة الوطنية لتكوين المواطن، عبر العمل على ملائمة أعضاء المجتمع مع الأنشطة الاقتصادية و الاجتماعية كما أكد على ذلك دوركهايم.
إن كل مجتمع في كل مرحلة من مراحل تطوره التاريخي يطور نموذجا اجتماعيا للتوجيه،يحدد بمقتضاها الطرق النموذجية و المسارات التي ينبغي أن يسلكها الفرد. من خلال الاندماج في الحياة المهنية عن مكانته الاجتماعية. لقد اعتمدت المجتمعات التقليدية مبدأ الوراثة للمكانة و الدور الاجتماعي للأسر داخل تراتبية صارمة التركيز نقل الدراية المهنية داخل دائرة الأسرة، ولما كانت المهن ضعيفة التصنيع كانت تتطلب فترة طويلة للتعلم(منذ مرحلة الطفولة) لاكتساب خبرة عملية و درايات الخاصة بالنشاط الانتاجي التي تتسم بالسرية.
توجت الثورة العلمية و التقنية التي عرفتها أوروبا في القرن 19 بالثورة الصناعية التي ساهمت بدورها في تسريع تحولات بنيوية شملت كل مجالات الحياة الاجتماعية و الاقتصادية، ترجمت في بروز أنشطة مهنية تتطلب مؤهلات نظرية و عملية فرضت تكوين كفاءات علمية و تقنية. رافقت هذه التحولات الاجتماعية و الاقتصادية تحولات ثقافية تمثلت في قيم الحداثة و الديمقراطية التي تؤكد على الحرية والمساواة بين جميع المواطنين لولوج جميع المناصب في المجتمع (تكافؤ الفرص) وفق مبدأ الاستحقاق.
أن تطور التقسيم الاجتماعي للعمل والانتقال من التضامن الميكانيكي إلى التضامن العضوي بلغة دوركهايم فرض ضرورة تأهيل الموارد البشرية و تنمية قدرات أفراد المجتمع وفق الحاجيات المهنية المتجددة ، وتحملت المدرسة مهام الاستجابة لمتطلبات الحياة الاجتماعية والاقتصادية و السياسية و إضفاء المشروعية على التراتبية والفوارق الاجتماعية وفقا لمبادئ عقلانية .
2. التوجيه المهني بعد الحرب العالمية الآولى .
عقب الحرب العالمية الأولى أصبحت ممارسة التوجيه المهني ضمن أولويات الاهتمامات السياسية، فتمت مأسسته بهدف ترشيد و عقلنة استعمال اليد العاملة المتوفرة(الأطفال)، بعد الخسائر الفادحة لتي تكبدتها أوروبا في الخبرات المهنية جراء الحرب. و تأهيلها وفق حاجيات الشركات والمعامل. و ذلك عن طريق الاهتمام بالتعليم التقني، مما فرض تشجيع التعليم التقني و التعلم عبر الجمع بين قدرات الأفراد ( التلاميذ) و حاجيات المقاولات ( سوق الشغل)، في إطار نظام تعليمي مزدوج ، كانت الأغلبية توجه نحو التكوين المهني والمسالك ذات الآفاق التعليمية قصيرة الأمد التي تزاوج بين التعليم و التكوين المهني. بحيث كشف اسطبلي كيف أن 75 %من التلاميذ يوجهون إلى التعليم المهني و 25%يوجهون للتعليم العام .
في هذا السياق خضع التوجيه المهني لمنطق الملائمة، عبر الرهان بشكل قوي على علم النفس و القياسات البسيكوميترية. و تمت الاستفادة من الأعمال التي قدمها ((Toulouse, 1903 ; Binet, 1908 بفرنسا و فرانك بارسونز الذي صاغ في مؤلفهChoosinga vocation (1909) مجموعة من الأنشطة بغية مساعدة طالبي الاستشارة و إعدادهم للقيام باختياراتهم المهنية عبر تطوير مهارات التحليل، انتقاء المعلومة و التركيب والمقارنة.
اتسمت ممارسة التوجيه في هذه المرحلة بنموذج إملائي توجيهي يعتمد ”تدبيرا مركزيا، تقنواقراطيا وسلطويا”، للإستجابة للحاجيات و الأنشطة الاقتصادية التي تعرف خصاصا في اليد العاملة. بمعنى أن التوجيه كان مبررا مهنيا لتدبير و عقلنة توافد التلاميذ على سوق الشغل. و هو توجه يتوافق مع المرحلة الكلاسيكية في سوسيولوجيا التنظيمات التي تمثلت في أعمال كل من تايلور و فايول، حين تميزت هذه المرحلة ببحث المؤسسات الصناعية الكبرى عن أشكال جديدة للتنظيم العمل قصد الرفع من المردودية و الفعالية التنظيمية عبر إخضاع انشطة الإنتاج للقياس "التنظيم العلمي للعمل" (الإنتاج المتسلسل) ، فتم اعتبار منصب الشغل منفصلا عن المؤهلات المرتبطة به . و اكتسب الموجه كخبير سلطة توجيه الأفراد بحسب "استعداداتهم" و "مؤهلاتهم". والكشف عن بعض حالات التلاميذ (من أصول عمالية) الذين اظهروا مؤهلات متميزة، تسمح لهم بالاستمرار في متابعة دراساتهم و الولوج إلى التعليم العام ، نتائج اعمال Langevin-Wallon (, 1941 ; 1942 ; 1945).

3. التوجيه المدرسي و المهني للتلاميذ في محك العدالة الاجتماعية و دمقرطة المدرسة
مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية بعد الانتصار على الأنظمة الدكتاتورية ذات النزعة القومية (النازية و الفاشية)، تم العمل على نشر القيم الديمقراطية، و إقامة أسس دولة الرعاية التي توجت بصياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و المواثيق و العهود الدولية الخاصة، التي تلتزم بمقتضاها الدول بضمان الحقوق الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية للمواطنين على مبدأ المساواة. و كانت المدرسة هي الدعامة الأساسية لترجمة هذه المبادئ على أرض الواقع، فتحولت الأنظمة المدرسية من الأيديولوجية الوطنية (القومية) إلى تفعيل المبدأ الديمقراطية، عبر دمقرطة التمدرس والرفع من المستوى الدراسي و إلزاميته وتمديده إلى سن 16، وإتاحة الفرص المتكافئة أمام جميع التلاميذ للارتقاء الاجتماعي بغض النظر عن أصولهم الاجتماعية، فالدمقرطة والإصلاحات المتتالية للمنظومة التعليمية (على الخصوص العمل بتوحيد نظام الدراسة بالسلك الإعدادي كجذع مشترك)، وإحداث نظام المسالك الدراسية المتعددة بالسلك الثانوي (التعليم العام، المهني، و التقني) لتمكين أكبر عدد من التلاميذ من الحصول على الباكالوريا ، نتج عنها تزايد الاهتمام بالتوجيه المدرسي بجانب التوجيه المهني.
لقد اندرجت هذه الاختيارات كذلك ضمن نظريات اقتصادية تتعلق بالمردودية الاقتصادية للتربية، فالفكرة السائدة في هذه المرحلة هي أنه لا يمكن تحقيق التقدم الاقتصادي إلا بالرهان على مضاعفة و رفع التأهيل المدرسي داخل المجتمع إلى أعلى مستوياته الممكنة، في إطار ما يعرف بتنمية الرأسمال البشري. وتلبية حاجيات الإقلاع الاقتصادي المتزايدة لليد العاملة المؤهلة.
في إطار التطلع إلى التقدم المجتمعي و الرفع من المستوى الاجتماعي للسكان في إطار نموذج التنموي بهدف تحقيق الرفاه الاجتماعي. فقد كشفت الدراسات السوسيولوجية كيف أن الحركية الاجتماعية بين الطبقات، والارتقاء في السلم الاجتماعي ظلت جد ضعيفة، و هو واقع أدى إلى مساءلة نقدية للوظائف الحقيقية للمدرسة داخل المجتمع، و حقيقة الخطاب السياسي المبشر بالعدالة و المساواة الاجتماعية في ظل النظام الديمقراطي.
و قد أنجزت مجموعة من البحوث ذات الخلفية التاريخية و الاجتماعية في عقد السبعينيات تنتقد المنظومة التعليمية باعتبارها منظومة نخبوية تكرس الفوارق الاجتماعية بل وتعيد إنتاجها (بورديو)، كما تم توجيه النقد لنظام التوجيه و على الخصوص خلفيته العلمية (علم النفس) الذي كرس الاعتقاد أن الفروق بين التلاميذ هي فروق في المؤهلات و الاستعدادات ، معتبرين أن علم النفس يوظف في منظومة التوجيه من إجل إضفاء المشروعية على تكريس الفروق المدرسية ثم الاجتماعية بين التلاميذ، فطرحت مشكلة دمقرطة التعليم ومساءلة مبدأ تكافؤ الفرص في النجاح المدرسي، عبر دراسة العوامل المنتجة للفروق بين التلاميذ في التحصيل الدراسي باستحضار الأبعاد الاجتماعية .
لقد تعرضت المقاربة النفسية في التوجيه المدرسي لعدة انتقادات من داخل علم النفس و على رأسها تأكيد هونري والو من خلال دراسته حول الطفل المشاكس على تداخل العوامل البيولوجية (العصبية) و الاجتماعية على النمو العقلي و النفسي للطفل. و منذ نهاية الحرب العالمية الثانية(1945) مع (Pierre Navile) تمت إثارة الانتباه إلى تجاهل الظروف الاجتماعية للتلميذ، و طرح فكرة رصد مؤهلات الأطفال بمعزل عن السياقات الاجتماعية موضع سؤال، معتبرا أن المشاكل الحالية والانشغال بتوضيح سلوكيات الأشخاص وعمل المؤسسات ينبغي ارجاعها إلى أبعادها الزمنية. و ضرورة تقويم تأثير التربية على المدى الطويل، بالانفتاح بلا شك على التغذية الراجعة لبعض الظواهر، معتبرا المقاربة التاريخية للواقعة التربوية، إلى حد ما ، كمرحلة أولية للتدخل (Léon 1957)، ، و قد كان بذلك سباقا إلى اعتبار أن التوجيه المهني تتحكم فيه آلية إعادة الإنتاج و أن التغيير مشروط بتغيير بنية الإنتاج السائدة.
في السياق العمل بنظام توحيد المدرسة، كشفت الدراسات السوسيولوجية أن التوجيه يعتمد أساس على النتائج المدرسية، والأصول الاجتماعية ،و انتظارات الأسرة. وبالتالي أصبح التوجيه المدرسي كإجراء لكشف أو رصد الاستعدادات النفسية لمتابعة الدراسة في شعبة من الشعب عديم الجدوى عمليا، و هو في العمق عملية انتقاء اجتماعي تقصي التلاميذ المنحدرين من أوساط اجتماعية وثقافية المحرومة، الذين لا تضفي عليهم المدرسة المشروعية (Bourdieu &Passeron, 1970). . و تولد عن هذا التوجه اعتقاد في الأوساط الإجتماعية والثقافية المحرومة بأن النجاح، مسألة موهبة واستعداد (ايديولوجية الموهبة)، مما يدفع الآباء وأبنائهم إلى تقبل التوجيه إلى شعب أقل حظوة و ذات الأفاق السوسيو-مهنية المتواضعة، بل أنه في بعض الحالات يتم اقتراح مثل هذه القرارات بشكل مباشر من قبل العاملين في منظومة التوجيه. فقد كشفت الدراسات السوسيولوجية أنه حين يسجل تكافؤ الأداء الدراسي للتلاميذ من أصول اجتماعية مختلفة، يتم توجيه فالتلاميذ من الأصول اجتماعية المحرومة نحو الاختيارات الأقل طموحا فيما يخص مستقبلهم . و يتوجب عليهم لولوج الشعب الواعدة ذات الصلة بالمهن ذات الحظوة إظهار التميز في أدائهم الدراسي مقارنة بأقرانهم من أصول اجتماعية محظوظة. (Duru-Bellat, 1988 ; Duru-Bellat&Mingat, 1988).. كما كشفت الدراسات أنه إذا كانت هناك فروقا بين التلاميذ في سن مبكرة فإن الهوة تتسع بدور الإستراتيجيات الأسر، سواء من خلال اختيار المؤسسات و الأقسام و المدرسون ، والشعب و التوجيه، و بأهمية مفعول المؤسسة عبر طريقة تدبيرها والحياة المدرسية ، بالإضافة إلى دور المضامين المعرفية التي تقترحها ، دون تجاهل للدور الذي تلعبه الأحكام الاجتماعية في قرارات التوجيه و تنميط الاجتماعي.
تميزت هذه المرحلة التاريخية كذلك بظهور حركية اجتماعية و ثقافية شبابية(انتفاضة الشباب) تؤكد على الحرية و ترفض كل أشكال السلطة و الوصاية (انتفاضة الطلبة ماي 1968بفرنسا)، و المطالبة بالحق في الاختيار ، وفي إطار هذا التحول الثقافي تم الاعتراف بحق الأسر في اختيار المسارات الدراسية أو المهنية لأبنائهم، وهو ما جعل من التوجيه مجالا للتفاوض بين مختلف المتدخلين ( الأسرة و المدرسة، الأساتذة، والمختصين في المجال). وبذلك أصبح التوجيه يعتمد مبدأ الاختيار و الحافزية. و تطلب الأمر ضرورة القيام بأحسن اختيار، لأن نظام العمل في هذه المرحلة هو النظام التعاقد الرسمي بالدوام الكامل و التوظيف مدى الحياة. و هو ما فرض بعد أزمة 1968 إصلاح خدمات و إجراءات التوجيه عبر إشراك الآباء في عملية اتخاذ قرار التوجيه.

لكن تفعيل مبدأ اختيار التوجيه طرح إشكالية تدبير توزيع المتعلمين في مؤسسات التكوين المهني، وعلى الخصوص تحفيز التلاميذ لكي يختاروا التكوينات التي تعاني من الخصاص و تتميز بضعف الإقبال عليها من طرف الشباب و يحملون حولها صورة سلبية، فأصبح دور الموجه يتمثل في تدبير المشاكل المرتبطة بتوزيع المتعلمين على مؤسسات التكوين المهني، و هو ما يفسر الدراسات التي اهتمت بتمثلات التلاميذ للمهن, التي تظل خاضعة للمعايير الاجتماعية.

و تمركزت الممارسات التوجيه في هذه المرحلة على ثلاثة عناصر:
1- منطق التصنيف والإنتقاء بناء على النتائج الدراسية
2- منطق تقديم الاستشارة الفردية الذي يقتضي مساعدة المتعلم ومصاحبته في إجراءات ومراحل التوجيه والاندماج، وفي حل مشاكله الشخصية وذلك عن طريق إجراء مقابلات فردية و روائز القدرات...
3- ممارسات تربوية تهدف إلى تقريب عالم الشغل والمهن الى المتعلم: بناء مشروع مهني عن طريق تخصيص أوقات دراسية لاكتشاف المهن و القيام بتداريب ...
وبذلك أصبح التوجيه يبتعد عن هيمنة علم النفس و ينفتح على حقول معرفية أخرى .
4. التوجيه المهني و المدرسي في ظل العولمة
انطلاقا من سنوات الثمانينات و أمام تزايد معضلة البطالة ،و الصعوبات التي يواجهها النظام الرأسمالي ، ظهرت اختيارات مجتمعية ليبيرالية جديدة بقيادة تاتشر و ريغان، تقوم هذه الاختيارات على التقليص من دور الدولة في الحياة الاقتصادية و الاجتماعية ، وضرورة التخلي عن مكتسبات دولة الرعاية، و تحرير الاقتصادي وتحرير التجارة و حرية الرساميل، أصبحت خطابات المؤسسات المالية العالمية (صندوق النقد الدولي، البنك العالمي، منظمة التجارة والتنمية الاقتصادية...) تعطي الأهمية أكثر للغايات الاقتصادية ( على حساب الغايات الاجتماعية و (أو) المساواتية)، فانتقلت بالمجتمعات إلى نموذج اجتماعي واقتصادي جديد ، يتميز بعدم اليقين وعدم الاستقرار في مناصب الشغل. و له تأثير واضح على المستوى المهني من خلال مراجعة أنظمة الشغل و اعتماد المرونة في العمل.
في ظل الواقع الجديد أصبحت المدرسة مطالبة بمواجهة التحديات التي يعرفها عالم الشغل عبر تطوير ممارسة جديدة في التوجيه . فقد أفرزت حاجيات سوق الشغل في ظل العولمة إلى الكفاءات انقساما في سوق الشغل (20/80) نموذج باريطو إلى شريحتين من الأجراء :
”شريحة أساسية" نخبة: يرتفع حولها الطلب، و تتشكل من أجراء ذوي تكوين عال و متعددي التخصصات ، يحتلون المناصب العليا التي تتناسب مع عصر المعلوميات. و هم في بحث دائم عن فرص للتغيير و الارتقاء،فتغيير العمل يكون مرفوقا في الغالب بارتقاء مهني ، لكونهم يراكمون الخبرة و التجربة،التي ترفع من قيمتهم في سوق التشغيل.
“ شريحة ثانوية” قاعدة ديمغرافية واسعة: تشغل مناصب عمل هشة، لها تأهيل متوسط و ضعيف أو غير مؤهلة . يتميز مسارها المهني بمتتالية من الانقطاع عن العمل. هذه الشريحة الاجتماعية هي في حاجة إلى تكوين لتدبير هذه الانتقالات، و برامج لتربيته و مساعدته لتدبير مساره المهني في ظل وضعية الهشاشة. من منظور التحليل النيوليبرالي إن مصدر الهشاشة و المشاكل التي يواجهها الأفراد في المجتمع،لا تعود إلى الاختيارات الإقتصادية، بل افتقارهم للمشروع الشخصي. فتم الترويج لمفهوم الفرص: أي ضرورة انتهاز الفرص المتاحة والترقي في المسار المهني ولما لا تغيير المسار المهني.
في ظل هذا الواقع الذي تحكمه اختيارات الاقتصادية تسمح بحرية المبادلات و تنقل رؤوس الأموال وعدم الاستقرار و عدم اليقين،جعلت السياسي والاقتصادي و البيداغوجي يواجه صعوبات التحكم في مخرجات التكوين و التخطيط على المدى البعيد (أي التنبؤ واستباق حاجيات المستقبلية لسوق الشغل وحاجياته من حيث التكوين على مدى المتوسط و الطويل). وجدت المنظومة التربوية نفسها أمام التحديات تنمية البشرية ومتطلباتها الاقتصادية من خلال العمل :
• التقليص من عدد المتخرجين من المنظومة التعليمة من دون شواهد و مؤهلات مهنية.
• التقليص من عدد المتعثرين في المنظومة التعليمية وتقليص التكرار،
• ضمان تكافؤ الفرص بين جميع التلاميذ،
• ملائمة التكوين لسوق الشغل ،
• حسن تدبير الانتقالات بين مناصب شغل ،
أن الاختيار الذي يقوم به الفرد في هذا السياق، الذي يعرف تقلبات اقتصادية و هشاشة الشغل ، ليس اختيارا نهائيا، لهذا ينبغي تربية التلميذ على المرونة و التفتح على التغير. و عبر اعتماد المقاربة التربية على التوجيه و المصاحبة لتمكين كل فرد من الكفايات لكي يكون قادرا على التوجيه المتجدد لبناء مشاريع حياته. ليصبح التوجيه مسألة بيداغوجية ترافق التلميذ في مسار حياته و تجدد اختياراته.
أصبح التوجيه عملية مستمرة على مدى الحياة، و المشاريع المدرسية و المهنية للتلميذ و الأسر تندرج ضمن مشاريع الحياة. كما أن تنوع و تعدد العروض في التوجيه المدرسي و المهني و كثرة المتدخلين والفاعلين. فرض اعتماد التوجيه المدرسي بجانب التوجيه المهني أو لنقل داخل مسار أكبر هو التوجيه المهني، فبعد الحصول على الباكالوريا يمكن اعتبار أن كل الاختيارات التي يقوم بها الشباب تكون ذات علاقة بالانخراط في الاقتصاد والشغل وعالم الراشدين.
إن التلاؤم مع اكراهات الواقع الاقتصادي الجديد فرض إصلاح المنظومة التعليمية و تغيير اختياراتها البيداغوجية، فعلى المستوى البيداغوجي تم التخلي عن بيداغوجيا الأهداف التي تم اعتمادها في عقد السبعينات و الثمانينيات، واعتماد بيدغوجيا الكفايات وفقا لمتطلبات المتجددة لسوق الشغل، و من ضمنها بيداغوجيا الإدماج(جعل الفرد قادرا على تعبئة الموارد(مكتسباته المعرفية، و دراياته وقيمه) في وضعيات جديدة)،
و على مستوى ممارسة التوجيه تم اعتماد التربية على التوجيه وقد حدد ( Guichard 2003)مجموعة من العوامل ساعدت على اعتماد التربية على التوجيه من بينها :
× الدور الذي أصبحت المدرسة مطالبة به في التنشئة الاجتماعية و تربية الشباب
× التأكيد على أولوية النجاح الفردي (التكوين الذاتي المستمر).
× عولمة الاقتصاد وسوق الشغل.
× تغيير نظام الشغل ( التأهيل للشغل انطلاقا من الكفايات محددة دوليا)
وتهدف المقاربة التربوية في التوجيه تحقيق قدرة التلميذ على توجيه ذاته عبر مختلف مراحل حياته، باختلاف الوضعيات سواء كتلميذ، أو كطالب، أو في سوق الشغل. فالأهداف البيداغوجية المتداولة تتعلق بتنمية استعدادات عامة لدى الأفراد تتسم بالفعالية ، و تمكينه من مهارة معرفية تعتبر ضرورية لكي يكون مؤهلا للقيام باختيارات في التوجيه طيلة حياته ، مع فكرة ضمنية تتمثل في اكتشاف تكوينات أو مهن يمكن أن تتلائم مع الفرد. ( بناء الذات و تحسيس الفرد بالمسؤولية لتعزيز المواقف الفردانية وتجنب "الاستراتيجيات الاستنزافية" ( Zamka 2000 ; dumora 1990 ; Bailli 1982).
كفاية الاختيارات و التوجيه هي الكفايات المفتاح التي يجب التحكم فيها من طرف كل تلميذ خلال مرحلة التعليم الإجباري، لكونها تمكن كل فرد طيلة حياته من أن يكون قادرا على تحليل الوضعية، رصد حصيلة كفاياته المتراكمة، وتعبئة موارد التكوين من أجل التكيف وتغيير المهنة أو الإقامة.
خلاصة
يظل السؤال هو ما معنى التوجيه اليوم؟:
و الجواب هو ”التربية على التوجيه”. أي أن الأمر يتعلق بمنح التلميذ الأدوات و طرق تدبير المعلومات، تقديم الاستشارة إليه و مصاحبته لكي يتمكن من توجيه ذاته في كل مراحل حياته . في انتقالاته التي تمس حياته المدرسية و المهنية. لهذا فليس من النادر أن تكون الدراسة على مراحل، وأصبحت وضعيات العطالة فرصة لمراجعة و تطوير المسار، و أن البحث عن فرص الشغل أصبحت تقنية و تقتضي تكوين للتموقع من جديد في سوق الشغل، الذي أصبح مطالبا بمعرفة تغيراته، ولكي تصبح العطالة لا كمأساة أجتماعية بل كفرصة لإعادة التموقع المهنى و الاجتماعي ، و التفكير المتجدد في الاختيارات ومراجعتها، أي كنفس جديد بين المرحلتين ، على خلاف من يعتبرها فشل و انهيار و تقهقر. أصبحت معرفة الكيونونة و الكفاءات العلائقية أساسية،. هنا فالقدرات و الكفاءات ترتكز على معارف و درايات استعراضية ،تتطور طول الحياة.
يتبين أن تبني السياسات التعليمية للمقاربة التربوية في التوجيه مدى الحياة أصبحت مطلوبة في ظل هشاشة سوق الشغل، باعتبارها ممارسة تربوية تتبع المسار الدراسي للتلاميذ ابتداءا من السلك الإعدادي، وتمكنهم من اكتساب كفايات تجعلهم يملكون أدوات الاختيار والتوجيه طيلة حياتهم ( Paul Sulman 2005)، عبر مجموعة من التمارين بغية مساعدة طالبي الاستشارة و إعدادهم للقيام باختياراتهم المهنية عبر تطوير مهارات التحليل، مهارات انتقاء المعلومة ومهارة التركيب والمقارنة و هي سلسلة من الأنشطة ستسمح لهم، في أي سن وفي أي مرحلة من حياتهم تحديد قدراتهم, كفاءاتهم ومصالحهم، أن يتخذوا قرارات في مجال التربية، التكوين والشغل، وأن يديروا مسارات حياتهم الشخصية في التربية والتكوين والعمل،
لقد تم اعتماد التربية على التوجيه كبديل ايجابي أمام الصعوبات الجمع بين أهداف الفعالية الاقتصادية التي تقوم على التنافسية والمساواة الاجتماعية. يهدف في نفس الوقت إلى تحسين أداء المنظومات التربوية من خلال تجسير العلاقة بين التعليم والحياة المهنية. كما يقدم على أنه وسيلة من أجل الحد من الفشل المدرسي والانقطاع عن الدراسة ويساعد التلاميذ والطلبة على اتخاذ خيارات مناسبة بين التخصصات والمناهج الدراسية. ويشمل أيضا، إعداد الشباب لعالم الشغل عن طريق تكوينات ( الوكالة الوطنية لأنعاش التشغيل والكفاءات) ، ومساعدتهم على تطوير كفايات معينة (البحث عن عمل ، سيرة ذاتية ، كيفية إجراء مقابلات) التي تتيح لهم تدبير انتقال بشكل جيد ، كما يتضمن الاستفادة من ربط الاتصال عن طريق (تعلم, تداريب) مع المهنيين و تعزيز الكفايات المستعرضة وروح المقاولة ويشجعهم على اختيار التكوين في المجالات التي على الطلب في سوق الشغل .


سوسيولوجيا التربية و التوجيه المدرسي
سلسلة محاضرات
الدكتور عبد الله زارو
Revenir en haut Aller en bas
https://dnri2008.forumactif.org
 
التحديات المعاصرة للتوجيه المهني و المدرسي و رهاناته الاجتماعية
Revenir en haut 
Page 1 sur 1
 Sujets similaires
-
» الملتقيات الاعلامية للتوجيه ما بعد البكالوريا تاوريرت 2024

Permission de ce forum:Vous pouvez répondre aux sujets dans ce forum
ORIENTATION PEDAGOGIQUE / CULTURE DE PAIX / MEDIATION :: ORIENTATION SCOLAIRE ET PROFESSIONNELLE التوجيه المدرسي والمهني-
Poster un nouveau sujet   Répondre au sujetSauter vers: